فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سجع:

ويح العصاة لقد عجلوا لو تأملوا العواقب ما فعلوا أين ما شربوا أين ما أكلوا بماذا يجيبون إذا أحضروا وسئلوا {فينبئهم بما عملوا}. اهـ. لهم في أي حزن من الحزن نزلوا لقد جد بهم الوعظ غير أنهم هزلوا ما نفعهم ما اقتنوا من الدنيا وعزلوا إنما كانت ولاية الحياة يسيرًا ثم عزلوا وانفردوا في زاوية الأسى واعتزلوا فإذا شاهدوا ذنوبهم مكتوبة ذهلوا {فينبئهم بما عملوا} ما نفعتهم لذاتهم إذ خرجت ذواتهم لقد جمعت زلاتهم فحوتها مكتوباتهم فلما عاينوا أفعالهم خجلوا {فينبئهم بما عملوا} ذهبت من أفواههم الحلاوة وبقيت آثار الشقاوة وحطوا إلى الحضيض من أعلى رباوة وحملوا عدلي الموت والفوت والحسرة علاوة فأعجزهم والله ما حملوا {فينبئهم بما عملوا}.

.سجع على قوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه}:

اجتمعت كلمة إلى نظرة إلى خاطر قبيح وفكرة في كتاب يحصى حتى الذرة والعصاة عن المعاصي في سكرة فجنوا من جنى ما جنوا ثمار ما غرسوه {أحصاه الله ونسوه} كم تنعم بمال المظلوم الظالم وبات لا يبالي بالمظالم والمسلوب يبكي ويبكي الحمائم وما كفاهم أخذ ماله حتى حبسوه {أحصاه الله ونسوه} أين ما كانوا جمعوه كم ليموا وما سمعوه كم قيل لهم لو قبلوه ذهب العرض غير أن العرض دنسوه {أحصاه الله ونسوه} كم كاسب للمال من حرامه وحلاله كان يحاسب شريكه على عود خلاله ولا ينفق منه شيئا في تقويم خلاله فلما وقع صريعا بين أشباله اشتغلوا عنه بانتهاب ماله ثم في اللحد نكسوه {أحصاه الله ونسوه} جعلنا الله وإياكم من الذين عرفوا الحق فاتبعوه وزجروا الهوى عنهم وردعوه إنه قريب مجيب. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (87):

قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نص سبحانه على هؤلاء، وختم بتفضيل كل على العالمين، أتبعه على سبيل الإجمال أن غيرهم كان مهديًا، وأن فضل هؤلاء علة النص لهم على أسمائهم، فقال ترغيبًا في سلوك هذا السبيل بكثرة سالكيه وحثًا على منافستهم في حسن الاستقامة عليه والسلوك فيه: {ومن} أي وهدينا أو وفضلنا من {آبائهم} أي أصولهم {وذرياتهم} أي من فروعهم من الرجال والنساء {وإخوانهم} أي فروع أصولهم، وعطف على العامل المقدر قوله: {واجتبيناهم} أي واخترناهم، ثم عطف عليه بيان ما هدوا إليه حثًا لنا على شكره على ما زادنا من فضله فقال: {وهديناهم} أي بما تقدم من الهداية {إلى صراط مستقيم} وأما الصراط المستقيم فخصصناكم به وأقمناكم عليه، فاعرفوا نعمتنا عليكم واذكروا تفضيلنا لكم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَمِنْ ءابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم} يفيد أحكامًا كثيرة:
الأول: أنه تعالى ذكر الآباء والذريات والإخوان، فالآباء هم الأصول، والذريات هم الفروع، والإخوان فروع الأصول، وذلك يدل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشرف والكرامة، والثاني: أنه تعالى قال: {وَمِنْ ءابَائِهِمْ} وكلمة من للتبعيض.
فإن قلنا: المراد من تلك الهداية الهداية إلى الثواب والجنة والهداية إلى الإيمان والمعرفة، فهذه الكلمة تدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة.
أما لو قلنا: المراد بهذه الهداية النبوة لم يفد ذلك.
الثالث: أنا إذا فسرنا هذه الهداية بالنبوة كان قوله: {وَمِنْ ءَابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم} كالدلالة على أن شرط كون الإنسان رسولًا من عند الله أن يكون رجلًا، وأن المرأة لا يجوز أن تكون رسولًا من عند الله تعالى، وقوله تعالى بعد ذلك: {واجتبيناهم} يفيد النبوة، لأن الاجتباء إذا ذكر في حق الأنبياء عليهم السلام لا يليق به إلا الحمل على النبوة والرسالة. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم ذكر آباءهم فقال: {وَمِنْ ءابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم} يعني: وقد اصطفيناهم بالنبوة يعني: آدم ونوحًا وإدريس وهودًا وصالحًا عليهم السلام {وهديناهم إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو دين الإسلام. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} والمعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم جماعات، ف {من} للتبيعض؛ والمراد من آمن منهم نبيًا كان أو غير نبي، ويدخل عيسى عليه السلام في ضمير قوله: {ومن آبائهم}، ولهذا قال محمد بن كعب الخال أب والخالة أم، {واجتبيناهم} معناه تخيرناهم وأرشدناهم وضممناهم إلى خاصتنا وأرشدناهم إلى الإيمان والفوز برضى الله تعالى. قال مجاهد معناه أخلصناهم، والذرية الأبناء وينطلق على جميع البشر ذرية لأنهم أبناء، وقال قوم: إن الذرية تقع على الآباء لقوله تعالى: {وآية لهم أنّا حملنا ذريتهم في الفلك} [يس: 41] يراد به نوع البشر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} من للتبعيض؛ أي هدينا بعض آبائهم وذرّياتهم وإخوانهم.
{واجتبيناهم} قال مجاهد: خلّصناهم، وهو عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم؛ مشتق من جبيت الماء في الحوض أي جمعته.
فالاجتباء ضم الذي تجتبيه إلى خاصتك.
قال الكسائي: وجبيت الماء في الحوض جَبًا، مقصور.
والجابية الحوض.
قال:
كجَابِيَة الشَّيخ العِرَاقِيّ تَفْهَق

وقد تقدّم معنى الاصطفاء والهداية. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن آبائهم وذرّياتهم وإخوانهم}.
المجرور في موضع نصب.
فقال الزمخشري: عطفًا على {كلًا} بمعنى وفضلنا بعض آبائهم، وقال ابن عطية: وهدينا {من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم} جماعات فمن للتبعيض والمراد من آمن نبيًا كان أو غير نبي ويدخل عيسى في ضمير قوله: {ومن آبائهم} ولهذا قال محمد بن كعب: الخال والخالة انتهى، {ومن آبائهم} كآدم وإدريس ونوح وهود وصالح {وذرياتهم} كذرية نوح عليه السلام المؤمنين {وإخوانهم} كإخوة يوسف ذكر الأصول والفروع والحواشي.
{واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} الظاهر عطف {واجتبيناهم} على {فضلنا} أي اصطفيناهم وكرر الهداية على سبيل التوضيح للهداية السابقة، وأنها هداية إلى طريق الحق المستقيم القويم الذي لا عوج فيه وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِنْ ءابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم} يحتمل كما قيل أن يتعلق بما تعلق به {مِنْ ذُرّيَّتَهُ} [الأنعام: 84] و{من} ابتدائية والمفعول محذوف أي وهدينا من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم جماعات كثيرة أو معطوف على {كَلاَّ فَضَّلْنَا} [الأنعام: 86] و{من} تبعيضية أي فضلنا بعض ءابائهم إلخ وجعله بعضهم عطفًا على {نُوحًا} [الأنعام: 84]، و{من} واقعة موقع المفعول به مؤولًا ببعض.
واعتبار البعضية لما أن منهم من لم يكن نبيًا ولا مهديًا قيل.
وهذا في غير الآباء لأن آباء الأنبياء كلهم مهديون موحدون، وأنت تعلم أن هذا مختلف فيه نظرًا إلى ءاباء نبينا صلى الله عليه وسلم وكثير من الناس من وراء المنع فما ظنك بآباء غيره من الأنبياء عليهم السلام.
ولا يخفى أن إضافة الآباء والأبناء والأخوان إلى ضميرهم لا يقتضي أن يكون لكل منهم أب أو ابن أو أخ فلا تغفل.
{واجتبيناهم} عطف على {فَضَّلْنَا} [الأنعام: 86] أي اصطفيناهم {وهديناهم إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} تكرير للتأكيد وتمهيد لبيان ما هدوا إليه ولم يظهر لي السر في ذكر هؤلاء الأنبياء العظام عليهم من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل السلام على هذا الأسلوب المشتمل على تقديم فاضل على أفضل ومتأخر بالزمان على متقدم به وكذا السر في التقرير أولًا بقوله تعالى: {وكذلك نَجْزِى} [الأنعام: 84] إلخ وثانيًا بقوله سبحانه: {كُلٌّ مّنَ الصالحين} [الأنعام: 85] والله تعالى أعلم بأسرار كلامه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عاشور في الآيات السابقة:

قال عليه رحمة الله:
جملة {ووهبنا} عطف على جملة {آتيناها} [الأنعام: 83] لأنّ مضمونها تكرمة وتفضيل.
وموقع هذه الجملة وإن كانت معطوفة هو موقع التذييل للجمل المقصود منها إبطال الشرك وإقامةُ الحجج على فساده وعلى أنّ الصالحين كلّهم كانوا على خلافه.
والوَهْب والهِبة: إعطاء شيء بلا عوض، وهو هنا مجاز في التّفضّل والتّيسير.
ومعنى هبة يعقوب لإبراهيم أنّه وُلد لابنه إسحاق في حياة إبراهيم وكبر وتزوّج في حياته فكان قرّة عين لإبراهيم.
وقد مضت ترجمة إبراهيم عليه السلام عند قوله تعالى: {وإذْ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات} [البقرة: 124].
وترجمةُ إسحاق، ويعقوب، عند قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} [البقرة: 132] وقوله: {وإله آبائك إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: 133] كلّ ذلك في سورة البقرة.
وقوله: {كلاّ هدينا} اعتراض، أي كلّ هؤلاء هديناهم يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فحذف المضاف إليه لظهوره وعوض عنه التّنوين في كلّ تنوينَ عوض عن المضاف إليه كما هو المختار.
وفائدة ذكر هديهما التّنويه بإسحاق ويعقوب، وأنّهما نبيئان نالا هدى الله كهَدْيه إبراهيم، وفيه أيضًا إبطال للشرك، ودمغ، لقريش ومشركي العرب، وتسفيه لهم بإثبات أنّ الصالحين المشهورين كانوا على ضدّ معتقدهم كما سيصرّح به في قوله: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأعراف: 88].
وجملة: {ونوحًا هدينا من قبل} عطف على الاعتراض، أي وهدينا نوحًا من قبلهم.
وهذا استطراد بذكر بعض من أنعم الله عليهم بالهدى، وإشارة إلى أنّ الهدى هو الأصل، ومن أعظم الهدى التّوحيد كما علمت.
وانتصب {نوحًا} على أنّه مفعول مقدّم على {هدينا} للاهتمام، و{من قبل} حال من {نوحا}.
وفائدة ذكر هذا الحال التّنبيه على أنّ الهداية متأصّلة في أصول إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وبُني {قبل} على الضمّ، على ما هو المعروف في {قبلُ} وأخواتِ غيرٍ من حذف ما يضاف إليه قبلُ وينوى معناه دون لفظه.
وتقدمت ترجمة نوح عند قوله تعالى: {إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا} في سورة آل عمران (33).
وقوله: {من ذرّيته} حال من داوود، و{داود} مفعول {هدينا} محذوفًا.
وفائدة هذا الحال التّنويه بهؤلاء المعدودين بشرف أصلهم وبأصل فضلهم، والتّنويه بإبراهيم أو بنوح بفضائل ذرّيّته.
والضمير المضاف إليه عائد إلى نوح لا إلى إبراهيم لأنّ نوحًا أقرب مذكور، ولأنّ لوطًا من ذرّية نوح، وليس من ذرية إبراهيم حسبما جاء في كتاب التّوراة.
ويجوز أن يكون لوط عومل معاملة ذرّيّة إبراهيم لشدّة اتّصاله به.
كما يجوز أن يجعل ذكر اسمه بعد انتهاء أسماء من هم من ذرّيّة إبراهيم منصوبًا على المدح بتقدير فعلٍ لا على العَطف.
وداود تقدّم شيء من ترجمته عند قوله تعالى: {وقَتل داودُ جالوتَ} في سورة البقرة (251).
ونكمّلها هنا بأنّه داود بن يِسيِّ من سبط يهوذا من بني إسرائيل.
ولد بقرية بيت لحم سنة1085 قبل المسيح، وتوفّي في أورشليم سنة 1015.
وكان في شبابه راعيًا لغنم أبيه.
وله معرفة النغَم والعزف والرمي بالمقلاع.
فأوحى الله إلى (شمويل) نبيء بني إسرائيل أنْ يبارك داودَ بن يسيّ، ويمسحه بالزيت المقدّس ليكون ملكًا على بني إسرائيل، على حسب تقاليد بني إسرائيل إنباء بأنّه سيصير ملكًا على إسرائيل بعد موت (شاول) الذي غضب الله عليه.
فلمّا مسحه (شمويل) في قرية بيت لحم دُون أن يعلم أحد خطر لشاول، وكان مريضًا، أن يتّخذ من يضرب له بالعود عندما يعتاده المرض، فصادف أن اختاروا له داود فألحقه بأهل مجلسه ليسمع أنغامه.
ولما حارب جنُدُ (شاول) الكنعانيين كما تقدّم في سورة البقرة، كان النصر للإسرائيليين بسبب داود إذ رمى البطل الفلسطيني (جالوت) بمقلاعه بين عينيه فصرعه وقطع رأسه، فلذلك صاهره (شاولُ) بابنته (ميكال)، ثم أن (شاول) تغيّر على داود، فخرج داود إلى بلاد الفلسطينيين وجمع جماعة تحت قيادته، ولما قُتل (شاول) سنة1055 بايعت طائفة من الجند الإسرائيلي في فلسطين داودَ ملكًا عليهم.